عدالة القوانين: بين قطة بريطانية وسجين مغربي

في إحدى ليالي الباردة، كنت أتحدث مع صديقتي المقيمة في بريطانيا عبر تطبيق الواتساب. بدا الحزن جليًا في نبرة صوتها، فسألتها بفضول:
ــ ما بالك؟ هل حدث شيء؟
ردّت بصوت خافت:
ــ أشتقت لقطتي…
صُدمت للحظة، وسارعت بسؤالها:
ــ هل ماتت؟
ــ لا.
ــ هل ضاعت؟
ــ أيضًا لا.
فقالت بعد صمت قصير:
ــ لقد تخلّيت عن قطتي.
حاولت أن أفهم السبب. تصورت أن الأمر قد يكون بسبب حساسية أحد أفراد أسرتها تجاه القطط، لكنها أوضحت قائلة:
ــ لقد قررت إعطاء القطة لجارتنا الإنجليزية لأنني أخشى من التشريع الجديد الذي ينص على زرع رقائق إلكترونية في الحيوانات الأليفة لتسجيل معلوماتها ومراقبتها.
أضافت بصوت مثقل بالأسى:
ــ الرقاقة الإلكترونية لا تهدف فقط إلى مراقبة القطة، بل تُدوّن فيها معلومات المالك ليكون مسؤولًا أمام القانون عن توفير الرعاية اللازمة للحيوان. أي تقصير مني تجاه القطة قد يعرّضني للمساءلة القانونية أو الغرامة، وأنا أخشى أنني لن أكون على قدر هذه المسؤولية. لذلك قررت أن أمنحها لمن أثق بأنه سيعتني بها أكثر.
كان حديثها مليئًا بمزيج من الحزن والإعجاب بالقانون الذي يحمي الحيوان بكل حزم. شعرت بقشعريرة وأنا أفكر في التشريعات المتقدمة التي تضمن لحيوان أليف حق الرعاية، وتجعل صاحبه تحت طائلة القانون في حال إهماله.
لكن، ما إن انتهت المكالمة، حتى اجتاحتني أفكار أخرى. تذكرت حادثة وقعت مؤخرًا في المغرب، حيث لقي سجين شاب حتفه اختناقًا أثناء تنظيف بلوعة صرف صحي داخل سجن الأوداية بمراكش. كان السجين مُجبرًا على أداء عمل خطير دون أي وسائل حماية أو إشراف كافٍ، مما أدى إلى وفاته في مشهد مأساوي يعكس إهمالًا جسيمًا.
أعلنت النيابة العامة فتح تحقيق في القضية، لكن تساؤلاتي بقيت عالقة: كيف يُسمح بتكليف سجين بأعمال محفوفة بالمخاطر دون إجراءات أمان؟ من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة؟ وهل سينصف التحقيق أسرة السجين أم سيُدفن ملفه مع الضحية؟
وقفت بين صورتين: قطة بريطانية يحميها قانون متطور يفرض على مالكها زرع شريحة إلكترونية لتوثيق معلوماته، ضمانًا لحقوق الحيوان؛ وإنسان مغربي تُهدر حياته في ظروف أقل ما تُوصف به أنها كارثية.
أي مقارنة يمكن أن تُعقد بين القطة البريطانية والسجين المغربي؟ بين قوانين تسهر على رفاهية الحيوانات وتشريعات تغفل عن كرامة الإنسان؟
كأنما الزمن يمضي في اتجاهين متعاكسين. في مكان، ترتقي الإنسانية لتشمل الحيوان. وفي آخر، تتقهقر لتنسى الإنسان.
توقيع : الخوداري عبد الفتاح