الموجز الوطني

جدل حول الامازيغية: إحصائ2024 يشعل النقاش حول الهوية اللغوية في المغرب

أعلن المندوب السامي للتخطيط شكيب بنموسى أن 92% من المغاربة يتحدثون الدارجة (العربية المغربية)، بينما لا تتجاوز نسبة الناطقين بالأمازيغية، 25% من مجموع السكان.

ويأتي هذا التصريح وسط تصاعد المخاوف، بشأن الحفاظ على اللغة الأمازيغية، وتفعيلها بشكل أفضل داخل النظام التعليمي.

وخلال ندوة صحفية عُقدت لتقديم النتائج التفصيلية للإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، أكد بنموسى أن اللغة العربية تظل اللغة الأكثر استخدامًا في المغرب، مع التركيز على حضور الحسانية في الأقاليم الجنوبية.

كما أظهرت بيانات الإحصاء ارتفاعًا ملحوظًا في قدرة السكان على القراءة والكتابة باللغات الأجنبية، خصوصًا الفرنسية والإنجليزية.

إلا أن هذه الأرقام تتعارض مع ما جاءت به الجمعيات الأمازيغية، التي تؤكد أن 85% من المغاربة يتحدثون الأمازيغية، أي ما يعادل حوالي 29.6 مليون نسمة من إجمالي سكان المغرب البالغ 37 مليون نسمة.

وترى بعض الحركات الأمازيغية، أن هذا التباين الكبير هو محاولة للتقليل من الهوية الأمازيغية، وهو ما يُذكّر بسياسات التعريب التي تبناها المغرب بعد الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي، حيث تم اعتماد اللغة العربية كلغة رئيسية على حساب اللغة الأمازيغية، رغم الدور القيادي الذي لعبته المناطق الأمازيغية في الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي.

وقد شهد وضع اللغة الأمازيغية تطورًا كبيرًا على مر العقود. ففي 2001، ألقى الملك محمد السادس خطابًا تاريخيًا في أكادير أكد فيه أن الأمازيغية ملك لجميع المغاربة وتشكل عنصرًا أساسيًا من الثقافة المغربية.

وقاد هذا الاعتراف إلى تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM). وفي 2003، تم اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة اللغة الأمازيغية رسميًا، وصولًا إلى الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2011، الذي جاء بالتزامن مع احتجاجات الربيع العربي.

غير أن إحصاء 2024 أثار جدلًا جديدًا حول معاملة اللغة الأمازيغية. فقد انتقدت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي (AMREC) المندوبية السامية للتخطيط بشدة، واتهمتها بـ”الإقصاء الممنهج للأمازيغية” في عملية الإحصاء.

وأكدت الجمعية أن المجتمع المدني الأمازيغي والخبراء لم يتم إشراكهم في تصميم استبيان الإحصاء، مضيفة أن التواصل الرسمي حول العملية همّش اللغة الأمازيغية.

وكانت العديد من الجمعيات الأمازيغية قد توقعت تكرار نتائج إحصاء 2014، الذي ذكر أن نسبة الناطقين بالأمازيغية لم تتجاوز 27% من السكان، وهو رقم ترفضه تلك الجمعيات بقوة.

من جانبه، دافع أحمد الحليمي العلمي، المندوب السامي السابق للتخطيط، عن عملية الإحصاء باعتبارها “عملية سيادية ذات بعد وطني”، موضحًا أن استبيان الإحصاء يتضمن سؤالًا حول “التحدث باللهجات المحلية”، مشددًا على أن الإحصاء لا يُعنى بإحصاء إثني أو قبلي لأن “الجميع مغربي”.

ورغم المكاسب الدستورية المحققة في 2011، لا تزال تحديات التطبيق قائمة. ففي مقابلة مع وكالة رويترز، أشار أحمد عصيد، الناشط الحقوقي والكاتب الأمازيغي، إلى أن “اللغة الأمازيغية فقدت ثلثي متحدثيها خلال خمسة عقود”، مؤكدًا الحاجة الملحة للحفاظ على هذه اللغة.

وكان بنموسى، عندما كان وزيرًا للتربية الوطنية، قد وضع خططًا طموحة لتوسيع تدريس اللغة الأمازيغية، معلنًا عن زيادة 50% في المناصب المخصصة لتدريس الأمازيغية بفتح 600 منصب خلال الموسم الحالي.

وأعلن بنموسى أن “جميع الأطفال المغاربة سيدرسون اللغة الأمازيغية ابتداءً من سنة 2029″، موضحًا أن 478 مرشحًا اجتازوا امتحانات التوظيف لتدريس هذه اللغة.

وتهدف خارطة طريق الوزارة إلى تحقيق 50% من تغطية تدريس الأمازيغية بحلول 2025-2026، مع رفع عدد المؤسسات التعليمية من 1,803 مدرسة ابتدائية حاليًا (930 حضرية و873 قروية) إلى 12,000 مدرسة بحلول سنة 2030.

حاليًا، تُدرّس اللغة الأمازيغية في 16,529 قسمًا بواسطة 1,860 أستاذًا متخصصًا، وتصل إلى حوالي 746,000 تلميذ، ما يمثل 19.5% فقط من تلاميذ المدارس الابتدائية.

وتشير الخطط التوسعية إلى إمكانية استفادة أربعة ملايين تلميذ من تعليم الأمازيغية، وذلك بدعم من المناهج المحسّنة والكتب المدرسية الجديدة والمحتوى الثقافي والتاريخي المُطور بين عامي 2020 و2023.

ورغم هذه المبادرات، وتغطية 31% من المؤسسات التعليمية الابتدائية حاليًا، تظل هناك تحديات كبيرة لتعميم اللغة الأمازيغية في القطاعات العامة المختلفة.

ففي حين أن اللافتات الطرقية أصبحت تعرض حروف تيفيناغ إلى جانب العربية والفرنسية، وتم إحراز بعض التقدم في إدماج اللغة الأمازيغية داخل النظام القضائي، لا يزال العديد من الناطقين بالأمازيغية يواجهون صعوبات في الولوج إلى الخدمات العامة والمشاركة الكاملة في الحياة المدنية.

وتجلى التزام الحكومة المغربية بالحفاظ على الثقافة الأمازيغية في 2023 من خلال الاعتراف رسميًا بـ رأس السنة الأمازيغية (إيض يناير) كعطلة وطنية رسمية.

ومع ذلك، يواصل النشطاء الدفع نحو تنفيذ شامل لحقوق اللغة وتوفير فرص متساوية للناطقين بالأمازيغية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى