بورتري

قصة مصطفى الزعري.. من درب السلطان إلى قلوب المغاربة موهبة صنعتها الصدفة

شيماء تمزيلت (صحفية متدربة)

مصطفى الزعري نجم حي درب السلطان الشهير بمدينة الدار البيضاء،  ولد بطل المسرح والدراما في 5 نوفمبر 1945. بين أزقة درب اليهودي ودرب كلوطي، ليترعرع الطفل الذي حمل على كتفيه عبء اليتم منذ الثالثة من عمره، بعد رحيل والده. والدته، التي نذرت نفسها لتربيته، عرفت بحسها البسيط كيف تسخر له فرصة حياة مختلفة. أرسلته إلى ناد مسرحي لترويض شغبه الطفولي وحمايته من قسوة الشارع، دون أن تدرك أنها وضعت قدمه الأولى على طريق قدره المهني والإبداعي ليفرغ ذلك الشغب في الخشبة.

البدايات وصقل الموهبة

في بداياته، التحق الزعري بفرقة “الأخوة” التي كان يقودها الفنان الكبير عبد العظيم الشناوي، قبل أن يصقل موهبته في “المعهد البلدي” على يد أعلام المسرح المغربي، الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج.

سرعان ما وجد الزعري نفسه عضواً في فرقة البدوي، حيث بدأ مسيرته الفنية عام 1963 ضمن أنشطة المخيمات الصيفية بأزرو وإفران وعين اللوح. وقتها، كان الزعري يعمل مربيا ومدربا في الشبيبة والرياضة بعد تركه لمهنة التعليم التي لم يجد فيها ذاته.

ثنائي الكوميديا الذهبية: السخرية في أبهى صورها

برز الفنان مصطفى الزعري بشكل لافت في الثمانينيات، حين شكل ثنائيا فكاهيا مع مصطفى الداسوكين. كان أول لقاء فني بينهما في مسرحية “النواقسية”، التي عرضت على شاشة التلفزيون المغربي عام 1967، ليصبحا من أبرز وجوه الكوميديا المغربية. ومع مرور الزمن، تفرقت طرقهما، لكن أعمالهما ظلت شاهدة على فترة ذهبية في المسرح الكوميدي.

لم يقف الزعري عند حدود المسرح؛ بل نقل موهبته إلى التلفزيون والسينما. ظل بين الخشبة والكاميرا ينوع ويجدد من أعماله المسرحية التي لاقت نجاحاً كبيراً نذكر من بينها “بنت الحراز”، “حلوف كرموس”، “العائلة المثقفة”، و”دابا تجي دابا”. أما في السينما، فقد ترك بصمة في أفلام مغربية وأجنبية، منها “الطفولة المغتصبة” و”الرسالة” . وفي التلفزيون، أبدع في مسلسلات مثل “ستة من ستين”، و”بيوت من نار”، و”سعدي ببناتي”. فكان من آخر أعماله مسلسل “رحلة عمر” .

إلى جانب موهبته التمثيلية، أضاف اشتغاله في المحافظة العامة والتنسيق بين الإدارة والإنتاج بعداً آخر لتكوينه. مكنته هذه التجربة من مراقبة المخرجين الأجانب ومناهجهم في التعامل مع الممثلين، مما زاد من خبرته وعمّق رؤيته الفنية، فالفن من منظور الزعري رحلة تعلم وشغف.

رحيل أيقونة المسرح

جنازة مصطفى الزعري.. مصدر الصورة hespress

مصطفى الزعري هو قصة فنان آمن بموهبته، حمل السخرية والدعابة كجواز سفر إلى قلوب الجمهور، وظل متألقا على مدار عقود كرمز من رموز المسرح والفن المغربي، إلى أن وافته المنية صباح الثلاثاء 3 دجنبر 2024 عن عمر يناهز ال79 سنة .

رحل الفنان القدير بصمت  بعد أن أنهكه مرض عضال، مخلفا فراغا يصعب ملؤه في الساحة الفنية وقلوب جمهوره. برحيله، تطوى صفحة مشرقة من تاريخ الكوميديا والمسرح المغربي، حيث كان الزعري رمزا للبهجة والابتسامة في زمن صعب، ومثالا للفنان الذي يمزج بين البساطة والعمق. رحل الجسد، لكن أعماله ستظل شاهدة على عبقريته، وحضوره سيبقى خالدا في ذاكرة كل من عشق ضحكاته ورسالته الفنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى