سقوط نظام بشار الأسد … دمشق بيد المعارضة والشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة

شيماء تمزيلت ( صحفية متدربة)
شهدت سوريا منذ فجر يوم الأحد، منعطفا تاريخيا مع دخول فصائل المعارضة المسلحة، إلى قلب العاصمة دمشق، في خطوة غير مسبوقة، أنهت سنوات من الصراع المرير ضد نظام بشار الأسد، بما في ذلك سيطرتها على القصر الجمهوري ومقار أمنية وعسكرية استراتيجية.
وتمكن مقاتلو المعارضة من اختراق الدفاعات الحكومية بعد اشتباكات عنيفة، تزامنت مع انشقاقات واسعة في صفوف الجيش النظامي، وانسحاب الحرس الجمهوري من مواقعه، مما أدى إلى انهيار نظام الأسد، بعد أكثر من 13 عاما من الحرب الأهلية.
وأشارت تقارير إلى هروب بشار الأسد، وأفراد من عائلته وكبار المسؤولين إلى جهة مجهولة، وسط انهيار تام و غموض في صفوف القوات الحكومية، وتضارب الأنباء حول مستقبل النظام.
كما أكدت مصادر من المعارضة، أن العمليات العسكرية في دمشق، جرت بالتنسيق مع خلايا نائمة في المدينة، ومع دعم لوجستي محدود من حلفاء المعارضة الإقليميين. ويأتي هذا الإنجاز بعد سلسلة من الهزائم المتتالية، التي تعرض لها النظام في مختلف أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق الجنوبية والشمالية.
ردود فعل دولية متباينة
توالت ردود الفعل الدولية على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ودخول فصائل المعارضة إلى العاصمة دمشق. المواقف تراوحت بين الترحيب بالتحول السياسي، والتحذير من تداعيات المرحلة المقبلة و التهدئة، في وقت أشارت تقارير إلى فرار الأسد إلى روسيا.
البيت الأبيض: بايدن يتابع “الأحداث غير العادية” في سوريا
أعلن البيت الأبيض في بيان أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وفريقه، يتابعون عن كثب التطورات “غير العادية” في سوريا، في ظل انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. وأكد البيان أن الإدارة الأمريكية، على اتصال دائم مع الشركاء الإقليميين لمتابعة المستجدات والتنسيق بشأن المرحلة المقبلة.
ترامب: روسيا تخلت عن الأسد وأخطأت بدعمه
صرح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أن سقوط نظام بشار الأسد جاء نتيجة تخلي روسيا عنه، مشيرا إلى أن موسكو لم يكن ينبغي أن تدعمه من الأساس. وأضاف ترامب أن الحرب في أوكرانيا استنزفت اهتمام روسيا وأولوياتها، واصفا تلك الحرب بأنها خطأ كان يجب تفاديه منذ البداية.
الصين تدعو لاستعادة الاستقرار في سوريا
أعربت الصين عن أملها في عودة الاستقرار إلى سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد. وأكدت وزارة الخارجية الصينية، في بيان لها، أنها “تتابع عن كثب تطورات الوضع في سوريا”، داعية إلى استعادة الاستقرار “في أسرع وقت ممكن”، مشددة على أهمية تحقيق الأمن والهدوء في البلاد.
فرنسا ترحب بسقوط نظام الأسد وتدعو للوحدة الوطنية
رحبت فرنسا بسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ودعت إلى إنهاء القتال والبدء بعملية انتقال سياسي سلمي. وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها: “الآن هو وقت الوحدة في سوريا”، مشددة على أهمية توحيد الجهود، لإعادة بناء البلاد وتحقيق الاستقرار.
ألمانيا تبدي ارتياحها لسقوط الأسد وتحذر من وصول المتشددين إلى السلطة
أعربت ألمانيا عن “ارتياحها الكبير” لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، عقب إعلان الفصائل المعارضة إسقاط حكمه. وفي بيان لها، شددت وزيرة الخارجية انالينا بيربوك على أهمية تجنب وقوع البلاد تحت سيطرة “متشددين” بأي شكل كان، داعية جميع الأطراف إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري.
وأكدت بيربوك على ضرورة حماية الأقليات الدينية والإثنية، بما يشمل الأكراد، العلويين، والمسيحيين، بالإضافة إلى إطلاق عملية سياسية شاملة تضمن التوازن بين مختلف المجموعات في سوريا.
الإمارات تدعو السوريين لتجنب الفوضى بعد سقوط نظام الأسد
حث مستشار الرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، الشعب السوري على التعاون لتجنب حدوث فوضى، عقب إعلان فصائل المعارضة المسلحة دخول العاصمة دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد.
وقال قرقاش خلال مداخلة في منتدى المنامة بالبحرين: “نأمل في أن يعمل السوريون معًا لكي لا نشهد حلقة أخرى من الفوضى”، في إشارة إلى أهمية الوحدة والعمل المشترك لضمان الاستقرار في المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد.
تركيا تدعو لضمان انتقال سلس للسلطة في سوريا
دعا وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إلى ضمان “انتقال سلس” للسلطة في سوريا، مشددًا على أهمية التعاون بين الأطراف الإقليمية والدولية.
وقال فيدان خلال منتدى الدوحة: “علينا أن نعمل بجد، ليس فقط تركيا، بل جميع الأطراف الإقليمية والدولية، لضمان فترة انتقالية جيدة وسلسة، وعدم إلحاق المزيد من الأذى بالمدنيين”. وأكد الوزير على ضرورة العمل المشترك مع الشعب السوري لتحقيق استقرار البلاد في المرحلة القادمة.
بريطانيا: ضرورة حل سياسي بعد رحيل الأسد
دعت نائبة رئيس الوزراء البريطاني، أنجيلا راينر، إلى إيجاد حل سياسي في سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. وقالت: “الدكتاتورية والإرهاب يخلقان مشاكل للشعب السوري الذي عانى كثيرًا، ويزعزعان استقرار المنطقة، لذا يجب إيجاد حل سياسي يؤسس لحكومة تعمل لصالح الشعب السوري”.
وأضافت راينر: “إذا رحل الأسد، سيكون ذلك تغييرًا مرحبًا به، لكن ما سيأتي بعد ذلك يجب أن يكون حلاً سياسيًا يضمن حقوق الشعب السوري ويخدم مصالحه”.
من الهدنة إلى التصعيد
جاء سقوط النظام بعد شهر واحد فقط من إنتهاء الهدنة بين إسرائيل ولبنان، حيث شهدت الساحة السورية تصعيدا ملحوظا منذ إنتهاء الهدنة بينهما، في أعقاب الهدنة، شهدت سوريا تصعيداً في العمليات القتالية من قبل المعارضة، التي استفادت من حالة الإحباط الشعبي المتزايدة والانقسامات داخل النظام. فقد استغلت المعارضة حالة الهدوء النسبي لإعادة تنظيم صفوفها. في المقابل، بدأ النظام مرهقا ومشتتا بعد سنوات من القتال، مما ساهم في تعزيز تقدم المعارضة، لا سيما مع انحسار الدعم العسكري المباشر من حلفاء الأسد.
رفض الأسد للجهود السياسية
رغم الجهود التي بدلتها الأطراف الدولية والإقليمية المكثفة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية خلال العام الماضي، إلا أن بشار الأسد رفض بشكل قاطع المشاركة في أي مباحثات تهدف إلى انتقال سياسي و إنهاء النزاع . هذا التعنت دفع المجتمع الدولي إلى مراجعة مواقفه وإلى تزايد الضغوط على النظام، مع تعزيز الدعم للمعارضة في الأشهر الأخيرة وخاصة مع تراجع الدعم الشعبي وتآكل الحلفاء العسكريين.
دور إيران الحاسم
كانت إيران على مدى سنوات الصراع، الحليف الأكثر ولاء للنظام السوري منذ اندلاع الثورة عام 2011، حيث قدمت دعما عسكريا واقتصاديا كبيرا ساهم في صموده. إلا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تراجعا واضحا في الدور الإيراني، مع تركيز طهران على أزماتها الداخلية وضغوطها الإقليمية. ومع ذلك، تشير مصادر إلى تراجع النفوذ الإيراني في الأسابيع الأخيرة، نتيجة الضغط الدولي والخسائر العسكرية، مما أدى إلى تقويض قدرة الأسد على الحفاظ على سيطرته. ومع سقوط الأسد، تواجه إيران احتمال خسارة نفوذها الكبير في سوريا، مما يضعها أمام تحديات استراتيجية.
بداية الثورة عام 2011
تعود جذور هذا الانهيار إلى عام 2011، عندما خرجت احتجاجات سلمية مطالبة بالإصلاح، قبل أن تتحول إلى حركة ثورية واسعة ضد النظام. عندما تصاعدت الأحداث بسرعة مع قمع النظام للمظاهرات، قوبلت هذه الاحتجاجات بعنف شديد، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية مدمرة وطاحنة. ومع مرور السنوات ورغم الدعم العسكري والسياسي الذي تلقاه الأسد لم يتمكن النظام من استعادة السيطرة الكاملة، ودخلت أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة، مما زاد الوضع تعقيدا وصولا إلى انهياره اليوم.
إن سقوط النظام يفتح الباب أمام مرحلة جديدة مليئة بالتحديات. تنعكس الأولويات الحالية في تشكيل حكومة انتقالية تتمثل في كافة أطياف الشعب السوري وضمان الأمن والاستقرار في العاصمة وباقي المدن. ثم بدء عملية مصالحة وطنية لمعالجة آثار الحرب وإعادة توحيد البلاد. وتنسيق الجهود الدولية لإعادة إعمار سوريا ودعم الاقتصاد المنهار. في المقابل، تبقى المخاوف قائمة من اندلاع صراعات داخلية بين الفصائل المعارضة، أو محاولة أطراف إقليمية فرض نفوذها على المرحلة الانتقالية.
مع سقوط نظام بشار الأسد، تطوى صفحة دامية في تاريخ سوريا، لكن الطريق إلى السلام لا يزال طويلا ومعقدا. ستحتاج البلاد إلى جهود جبارة من أبنائها ودعم المجتمع الدولي لتحقيق استقرار دائم، وبناء مستقبل يليق بشعب عانى ويلات الحرب لأكثر من عقد.