رأيموجز الثقافة والفن

خلف الذاكرة

بقلم: ذ.حنان فرجاني

 

إن هذا الانتظار الذي يقبع فوق رأسي منذ ان وعيت على هذه  الدنيا يقضم كل مرة قطعة من دماغي المحموم بالتحرر، يقبع فوق جمجمتي منذ أن أتممت الثامنة، كنت أملك طلاقة عجيبة في القراءة كان أبي قد استشفها على لساني وهو المثقف الوحيد في العائلة.

ونظرا لهذه الملكة التي كنت املكها كان كل ليلة وعند عودته، يجمع الأسرة في صدر البيت، أتوسطهم بمجلد اخضر كبير يثقل فخداي الهزيلان، وأبدأ القراءة، عذاب القبر، أفاعي تخرج على الميت وتلتف حول رأسه تقظم جمجمته في لقمة واحدة، ملكان يشقان رأس الميت بصخرة، النار والخطاطيف والسراط، صورة المرأة، عورتها عقلها ودينها الناقصان، كنت اقرأ، أقرأ بطلاقة وبدون فهم، لكن برعب ليلي يجتاحني كلما أطفئت الأنوار، لازمتني نوبات الهلع الليلية طويلا، طويلا جدا حتى بعد بلوغي سن الرشد رغم تفاوت مواعيدها، لكنها كانت تأتي بشدة أكبر.

عندما أهرع إلى السرير وترتخي الجفون في استسلام جميل لأولى بشائر النوم بين اليقظة والاستسلام، تجتاح ظهري قشعريرة باردة، يقف على إثرها كل شعر ومسام جسمي ، ويكون خلفي، خلفي تماما ظل صامت بارد لا يصدر صوتا ولا حركة.

كنت أنتظر الخلاص والحرية التي لم تأتي بعد، الخلاص من أهوال النوبات المتمركزة في أعمق بئر في ذاكرتي، والتحرر من قيود وصمت بها عند أول صرخة خرجت بها الى الدنيا، حين خرجت القابلة تبشر أبي، لقد رزقت بطفلة، كنت أنشد حرية كحرية طير أطلق جناحيه يلاغي الريح بعد سجن طويل، لكنه لا يعرف الوجهة، لقد كان اكثر ما يؤرقني اني كنت أنظر إلى معصمي كثيرا ، فأرى أغلالا وأصفادا ثقيلة تغرسني في الأرض تعلقني على جدران المنزل، كرأس دب تم اصطياده وتحنيطه منذ الأزل، وإلى مالا نهاية، فلا يجد إلى مفارقة الجدار سبيلا…إن الانتظار مر غراب اسود ومنقار حاد وجسد خائر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى