موجز الثقافة والفن

الجانب المظلم في تاريخ القهوة أو عندما تسبب شربها في الإعدام

سامي صبير

يوجد في تاريخ القهوة فترات لم يكن من الممكن شربها في الأماكن العامة وتجارتها أو الاحتفاء بها كما هو الحال اليوم، والأغرب أنه كان من الممكن أن يتسبب فنجان واحد منها في وضع حد لحياتك أو رميك خلف القضبان في أحسن الأحوال.

لقد كان ظهور وانتشار القهوة في البلاد الإسلامية، استثنائيا بالمقارنة مع المشروبات الأخرى من قبيل الشاي، مما خلف نتاجا ثقافيا واجتماعيا غنيا، وذلك لما أثاره تعاطيها من نقاش أسفر عن صدور عدة فتاوى وتداول مجموعة من الرسائل حول حلة أو حرمة شربها وتداولها.

ولهذا فقد تراوح تاريخ هذا المشروب بين فقهاء يحرمونه و يصنفونه في خانة المنكرات والمسكرات، وبعضها الأخر ينتصر له، وكانت البداية حسب كتاب محمد الأرنؤوط “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي”، في القرن السادس عشر ميلادي، بشبه الجزيرة العربية، وبالضبط في مكة، فمن هنا انطلقت أولى شرارات النقاش حول تحريم شرب القهوة، ففي إحدى الليالي سنة 1511 وبينما كان “خاير بك” ناظر الحسبة متجها إلى منزله، صادف في طريقه مجموعة من الأشخاص جالسين يحتفلون بالمولد النبوي ويتعاطون شرابا أسودا غريبا، فسأل عن الشراب، ليكون الجواب كالتالي: “هذا شراب اتخذ في هذا الزمان وسمي القهوة، يطبخ من قشر حب يأتي من بلاد اليمن يقال له البن…”، ليبدأ التفاعل بين مؤيد ومعارض في وقت واحد، تقريبا بين القاهرة ودمشق ومكة، وهذا بسبب المراسلات بين العلماء والسلاطين أنداك، مما أسفر عن تجاذب ديني واجتماعي وسياسي غير مألوف بخصوص تحليل أو تحريم هذا المشروب الجديد.

ففي مكة التي تعتبر نقطة بداية الجدل، أعلن خاير بك (الوصي على أخلاق المجتمع) في تلك السنة عن قرار منع تعاطي القهوة، وذلك بعد التشاور مع الفقهاء وأطباء ذلك الزمن الذين اعتقدوا بضررها وبكونها دخيلة على المجتمع، أما في القاهرة فقد أفتى قاضي القضاة “الشحنة الحلبي” بتحريمها، وفي دمشق أمر السلطان سليمان القانوني سنة 1545 م بإبطالها، وهذا بعد مطالبة مجموعة من الفقهاء والقضاة باتخاذ قرار رسمي يمنع ويحرم تعاطيها لأنهم كانوا يعتقدون بأنها مسكرة مثلها مثل الخمر، وبتهديدها للاستقرار وجلبها للفساد.

ويعد مطلع القرن السابع عشر، من أغرب الفترات في تاريخ تحريم القهوة، حيث قرر السلطان العثماني “مراد الرابع”، بتحريمها كما “أمر بإعدام بعض الأشخاص الذين تجاهلوا هذا المنع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى