مولاي براهيم… مائة يوم على الزلزال، خلل في توزيع الدعم وشلل في اقتصاد المنطقة

يبدو السكون المطبق على المكان غريبا، وهو الذي لم يألف هذا الصمت لأجيال خلت، حركة الزائرين التي كانت، وضجيج التجار ونداءات أصحاب الشقق والغرف المعدة للكراء لم تعد هنا، دعوات الشرفاء ونداءات المتسولين لم تعد تسمع، نداءات أصحاب عربات النقل لم تجد من يسمعها، لقد صمتت بلدة مولاي براهيم إلى حين.

ليلة الثامن من شتنبر 2023، مرت من هنا وخلفت دمارا وصمتا رهيبا على مركز مولاي براهيم ومعه الحوز جله، ورغم مرور 100 يوم على الوعود الرسمية بأننا سنخرج من الأزمة بسرعة، لا زال السكان يبيتون لياليهم تحث خيام لم تستطع أن تقيهم شر الصقيع الذي بدأ يشتد مع الدخول المتأني لفصل الشتاء.
وصلنا إلى البلدة في وقت متأخر صباح نهاية أسبوع تصادف أن كانت اليوم الـ100 بعد الزلزال، غير أن سكان مولاي براهيم بالكاد يلتمسون صباحهم، فهو يشبه 100 صباح مر على أزمتهم.
على مشارف المخيم امرأة تحاول أن توقد نارا على باب خيمتها، أطفال يلعبون بما اخترعوه من لعب، ورجل من بعيد يجلس القرفصاء وينظر اتجاه المخيم متأملا المصير المجهول.
“واش وصلك الكود”
في الجانب الآخر للمركز، ضجيج الجرافة الوحيدة تهدم بعض البيوت التي أوصت اللجنة بهدمها، والتي استفاد أصحابها من الدعم المخصص لإعادة البناء، فيما يقف آخرون، وهم الغالبية، رافضين هدم بيوتهم لأنهم يجهلون مصيرهم، حيث لا زالوا ينتظرون نصيبهم من هذا الدعم الذي لم يتوصلوا به.
حسن أيت الحاج من سكان مركز مولاي براهيم احد هؤلاء الذين لم يتوصلوا بـ”الكود” – الكلمة المتداولة في المنطقة أكثر من غيرها – يقف بالقرب من بيته وعينه على تحركات الجرافة ورجل السلطة الذي يشرف عليها، فمنزله في قائمة الهدم لكنه يرفض ذلك لأنه لم يتوصل (بالكود) الرمز الذي به سيسحب أموال الدعم.

يقول حسن: “الذين توصلوا بالرمز ها هم يعملون على هدم منازلهم، من أجل أن يبدؤا في عملية البناء من جديد، لكن أغلبية الناس (باقي كايتسناو ماجاهومش الكود)، سواء تعلق الأمر بالدعم الاستعجالي المتمثل في 2500 درهم أو الإصلاح 80 ألف درهم، أو الهدم وإعادة البناء 14 ألف درهم”.
“قدمنا شكايات عدة ولم نتلقى أي جواب، وها نحن ننتظر” يقول حسن مضيفا في السياق ذاته “منزلي صنف من قبل اللجنة المكلفة على أنه يستدعي عملية إعادة البناء، لكنني لم أتوصل بعد بـ”الكود”، وحسب ذات المتحدث فإن “عدد من السكان المتضررين توصلوا بدعم الإصلاح البالغ ثمانية ملايين سنتيم لكن تم هدم منازلهم”، وهي المفارقة التي لم يفهمها، وخلل لا أحد يعرف مصدره.
علاقة بقضية الهدم أثار المواطنين الذين تحدثنا إليهم، إشكالية أخرى، وتتعلق بتلك المنازل التي أمر بهدمها وبجانبها منازل أخرى صنفت من قبل اللجنة على أنها أقل ضررا وتحتاج فقط للإصلاح، فنظرا لكون المنازل بالمنطقة مرتبطة ببعضها وتتشارك الجدران البينية، فعندما يتم هدم منزل فإن المنزل المجاور تتصدع جدرانه رغم أنه غير مدرج في قائمة الهدم وإعادة البناء.

سعيدة هي الأخرى منزلها أقل تضررا من الزلزال، صرحت لنا أن اللجنة لم تخبرها بأي شيء “كالوا ليا ماكاين حتى مشكل وانصرفوا” هكذا حدثها أعضاء اللجنة حسب قولها، هي الآن لم تتوصل رفقة أختها التي تقطن معها، بأي من أنواع الدعم الثلاثة.
تؤكد سعيدة أن منزلها رغم أنه يحتاج فقط لإصلاحات إلا أن منازل الجيران المجاورة تعرضت لأضرار كبيرة وبالتالي فإن منزلها هو الآخر معرض للخطر في حالة هدم المنازل المجاورة.
خيمة باردة أو جدران متآكلة
العديد من السكان يعيلون أسرهم من خلال العمل في المدينة، كمراكش أو حواضر أخرى، لكن مع هذا الوضع لا أحد يستطيع ترك أبنائه في العراء بمفردهم، وبالتالي يبقى بالقرب منهم في الخيمة، يقول حسن “ماعندوا حتى درهم ف جيبوا”، كيف سيوفر لهم ما يأكلون علما أن معظمهم لم يتوصلوا بالدعم؟

يقضي جل السكان يومهم في منازلهم من أجل الطبخ والتصبين وأمور اخرى، لكن عندما يحل المساء يتجهون إلى خيامهم للمبيت، ومع شدة الصقيع الذي يزداد ضراوة مع تقدم ليالي الشتاء، يزداد الأمر صعوبة، فهذه الخيام لا تستطيع أن تقيهم برد الشتاء الذي يختلف في جبال الحوز عن باقي المناطق.
هؤلاء الضحايا المنسيون يعيشون بين نارين، أولها الخوف من جدران منازلهم المتآكلة من أن تنهار فوق رؤوسهم، وثانيها شدة البرد القارس ليلا في خيامهم. فهم يضطرون للعودة إلى منازلهم على الأقل خلال النهار لأن المخيم لا تتوفر فيه سبل العيش، فلا سبيل لغسل ملابسهم، ولا إمكانية للطهي بالمخيم، ويبقى السبيل الوحيد هو قضاء النهار في المنزل والعودة ليلا إلى الخيمة.
السوق والضريح.. واقتصاد منهار
كي نكمل الجولة لا بد من المرور بالسوق المجاور لضريح مولاي براهيم القلب النابض للبلدة التي تئن تحت ركام الزلزال منذ 100 يوم خلت، أزقة هذا الحي خالية إلا من بضع زوار جاؤوا ليستكشفوا ما آلت إليه الأوضاع، جل الدكاكين موصدة أبوابها إلا بعضها.
لقد توقف الرواج التجاري في سوق مولاي براهيم، بتوقف السياحة الداخلية التي كانت عصب الحياة في البلدة، ولا تبدو هناك أي بوادر لإنتعاشة قريبة.
عندما نتقدم إلى الأزقة المجاورة للضريح تلوح لنا أكوام الركام التي لا زالت تقبع في مكانها، تبرز من بينها أطلال الضريح الذي تعرض لأضرار كبيرة.
تعد الزيارة الروحية عصب الحياة بالنسبة لآلاف السكان هنا منهم التجار وأصحاب الشقق المعدة للكراء والوسطاء، وآخرون. كل هؤلاء توقف مورد رزقهم بين عشية الثامن من شتنبر وضحى التاسع منه.
أصحاب الشقق المعدة للكراء يبدو قلقهم مضاعفا، فلا سكن ولا مورد رزق، ولا أحد يسأل عن أحوالهم، لحدود اللحظة ليست هناك أي مبادرة خاصة بهؤلاء تلوح في الأفق، فهي نماذج اقتصادية مختلفة عن نماذج الفنادق ومؤسسات الإيواء التي يمكن تصنيفها بسهولة في خانة معينة من أجل دعمها.
ولا زال هؤلاء تائهون في حيرة من أمرهم، بين انتظار “الكود” من أجل قوتهم اليومي، وبين دعم يأخذ بعين الاعتبار مشاريعهم الإقتصادية، شأنهم في ذلك شأن التجار المجاورين للضريح، الذين يفتحون أبواب دكاكينهم كل يوم منذ عشرات السنين لزوار الضريح، فاضطروا للإنزواء منذ الثامن من شتنبر.
هنا أيضا في هذا الركن من مركز مولاي براهيم يتكرر ذات السؤال “واش وصلك الكود”، لا حديث إلا على الدعم المباشر الذي يبدو أنه الخلل الأكبر الذي أصاب ضحايا الزلزال، وعمق أزمتهم النفسية أكثر من الزلزال ذاته.
مرت مائة يوم على زلزال الحوز ولا زال السكان تائهون بين حلم العودة إلى منازلهم، وبين القوت اليومي لأبنائهم، فمتى يتم انتشالهم من هذا الوضع المقلق؟
